في مجموعة نصوص"كل العناووين أنتِ" يُناضل الكاتب الشاب الغزّي حمزة حسن (1992) من أجل تعريف نفسه لدرجة أنّه النصوص بدت للوهلة الأولى،وكأنّها كتالوج يأخذ بيد القارئ العادي إلى صفاته،عاداته وطقوسه اليومية،أفكاره،ما يُحبّه وما يكرهه،ذكرياته وكيف يرى ظاهر أشيائه وباطنها،وكأنّه يؤهل متصفح كتابه للقائه قريبًا،وان دلّ في باطنه،هذا التعطش لفرد الذات عبر تلك النصوص،على معاناة الفلسطيني الحقيقية في تقديم نفسه للمجتمع الدولي،بسبَبْ تَعمّد الاحتلال الإسرائيلي تهميش وشطب الهوية الفلسطينية.تظهر هذه الثيمة في كثير من المقاطع:"لست وطنيًا بما يكفي،لكنّ كلّما كتبت شيئًا لها تغزّلت بالوطن دون قصد"/ (لست كافرًا ولن أكون" في أحد عناووين نصوصه")/ضعيف عند المرض،وللفرح معي قصص،..وأغضب وأضحك،وأغني في الحمام أحيانا/وأتلعثم كثيرًا في الإجابة على بعض الأسئلة الغريبة،كالذي يقول لي:الساعة سعيدة،مع علمي المسبق بمعناها"/متأفف المزاج وأصبح وأمسي شاحب الوجه /لا أبتسم لرغيف خبز كما يقول المثل،أفرّغ غضبي وقذارتي بأي شيء قد أوجهه في طريقي/أتصرف بهمجية غير متوقعة إطلاقا،كأني أشتمك عند إلقائك التحية لي/وجمل أخرى تحمل ذات النفس الباحث عن معرفة حقيقة الذات.لكنّ الكاتب لا يجدها تُعرّفه كما يأتي الانطباع العام،لسبب أنّه"يكتب ليفعل ذلك،فلا ينظر للنصوص وكيف يُفّكر القارئ،لاسيمّا أنّ القارئ مزاجي،وله حكمه على الأمور" .
الباكورة الأولى لصاحبها حمزة (قطع متوسط دار الكلمة للنشر والتوزيع 2015)،يبدو أنّها مُهداة صراحةً للمحبوبة الملهمة،كما تبوح خاتمة الكتاب:"وعدتك برواية بطلتها أنتِ/كلّها أنتِ/الكلمات/الحروف/الإهداء/القُرّاء/النُقّاد/الحُسّاد/الصفحة الأولى للأخيرة أنتِ/حتى الفهرس والتقديم والشكرلك أنتِ/والعناووين/كل العناووين أنتِ".سألناه إن كانت هُناك مُلهمة حقيقية،ردّ بقوله:"النِساء بالنسبة لي جميعهن مُلهمات،خلقن للكتابة والدهشة ومداعبة القصائد،هناك دائمًا المرأة التي تعلو فوق القاعدة،المرأة التي تُوضّح الضبّاب وتضع الخطوط الحمراء،المرأة المتجددة التي تظّل اللوحة الرئيسية في نظره أينما ذهب"،في حين أنّ مُلهمته الأثيرة،"هي شيء عظيم،هي من تقوده ليكون رجلًا،وجميع أفعالها حتى البسيطة،تُشكّل له أفكارًا شهية للكتابة"،ويبدو أنّ هذا الحديث صحيح،كون الملهمة تحتلّ المساحة الأكبر فعلًا،لأنها اللبنة الأساسية لنصوصه،وحولها تدور جميع قصصه وحكاياه ويومياته.
النصوص ذاتها هي"عبارة عن بالونات هواء،أحيانًا تُحدث ضجيج،وأحيانًا أخرى ينتهي بها المطاف وراء الأغنيات القديمة"،لكنّ تبقى الكتابة بالنسبة للشباب الغزّي عمومًا هي المنفذ للحياة،ذلك أنّه بالنسبة لحمزة "داخل الكتابة يمكن السفر،لاحواجز أو أوراق تصاريح سفر،رقص مع الموسيقى،انتصار على الأوجاع،التمشي مع الصديقات والحبيبات دون خوف أثناء الكتابة،وفعل كل ما يمكن فعله في غزة المسكينة". في الوقت ذاته الذي يعتبر فيه الكاتب أنّ عملية الكاتبة خاصة بـ"المنتحرين" على حد قوله،إلا أنّ صعوبة حياة قطاع غزة،تجعل التفرغ للكتابة أمرًا نادرًا ويستحق التقدير،بالذات أنّه يُعبّر عن شريحة من الشباب المهمّش والمطموس والغائب،الفئة ذاتها الطامحة للظهور وطرح نفسها في المجتمع وتلقّي تقديرها.